ابو بكر الصديق
يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. لله درك يا ابن الخطاب عملاق آخر صنعه الإسلام رقة متناهية مختفية خلف الشدة الظاهرة وقلب يذوب ذوبانا في حب رسول الله وتواضع جم وأدب عظيم فقال رسول الله للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة. ولماذا العڈاب وكأن بعض الصحابة أرادوا الدنيا بهذا الرأي وينزل قول الله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عڈاب عظيم الأنفال 6768. الكتاب الذي سبق هو قوله تعالى فإما منا بعد وإما فداء محمد 4. ويلخص هذا كله رسول الله بتعليق جامع بعد قضية أسرى بدر واختلاف العملاقين الكبيرين في الرأي فيقول إن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم إبراهيم 36. ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم المائدة 118. وإن مثلك يا عمر مثل نوح قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا نوح 26 ومثلك مثل موسى قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العڈاب الأليم يونس 88. ولا أحد يخطئ إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعيسى عليه السلام في رحمتهما مع المذنبين ولا أحد يخطئ نوح وموسى عليهما السلام في شدتهما في الحق. إذن هذه المواقف وكثير غيرها توضح مدى الطبيعة الرقيقة الحانية التي جبل عليها أبو بكر الصديق . هذه الرقة الشديدة والنفس الخاشعة والطباع اللينة أورثت في قلب الصديق تواضعا عظيما فاق كل تواضع. تعالوا نرقبه بإمعان وهو يودع جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما موقف عجيب أسامة بن زيد دون الثامنة عشر من عمره وهو جندي من جنود أبي بكر الصديق وأبو بكر الصديق هو زعيم الدولة الأول خليفة المسلمين يتجاوز في العمر الستين سنة ومع ذلك يودع بنفسه جيش أسامة وهو ماش على قدميه وأسامة بن زيد يركب جواده ولك أن تتخيل الموقف أسامة على الجواد وأبو بكر يسير بجواره على الأرض قال أسامة يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال والله لست بنازل ولست براكب وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة. يا الله يا لها من تربية راقية تربية على منهج النبوة يربي نفسه على التواضع ويربي أسامة بن زيد على الثقة بالنفس ويربي الجنود على الطاعة لهذا الأمير الصغير ثم هو يربي كل المؤمنين على حسن التوجه وعلى